رحلة كريستيانو رونالدو في مدريد.. "أخر الحلم طعنة"
مع توالي ارتقاء منصات التتويج ومعانقة المجد لسنوات، لم يتوقف حلم شاب برتغالي ذاع سيطه في أرجاء ملاعب الإنجليز بقميص شياطين مدينة مانشستر، عن الإبحار بخيالاته مرتدياً قميص أبيض يغزو به أوروبا.
حلم كريستيانو رونالدو قاوم المجد والتبجيل داخل ملعب أولد ترافورد، لم ينطفأ بريقه أمام ذهب الألقاب التي حصدها مع مانشستر يونايتد طوال 6 سنوات، نصّبته أفضل لاعب في العالم عام 2008، وبطلاً لأوروبا في ذات العام، ووصيفاً للبطل في السنة التالية.
البطل المتوج بالكرة الذهبية أدرك أنه وُلد ليلعب في ريال مدريد، جاء من أحياء البرتغال الفقيرة، من قلب جزيرة ماديرا، ليتخذ مدينة مانشستر محطة مؤقتة قبل رحلة الأحلام في العاصمة الإسبانية.
لم يكن ملك مسرح الأحلام على علم بأن الحلم ليس سهلاً، لاسيما مع إصرار مدربه أليكس فيرجسون على رفض رحيله إلى مدريد، مشترطاً الانتقال إلى برشلونة، عدو فريق أحلامه الأبدي، نكاية في رئيس النادي الملكي، رامون كالديرون.
هنا بدأ الصدام بين الجبلين، هيبة السير تقارع أحلام أفضل لاعب في العالم، ليتوصل الطرفان في النهاية إلى حل وسط، البقاء لموسم آخر، ومن بعده هنيئاً لمدريد بالأسطورة التي صنعها مانشستر.
صدام رونالدو مع الأب الروحي له أتى بثماره في النهاية، صيف 2009 يشهد إتمام الصفقة المنتظرة، التي أسماها العاشقون "سرقة القرن"، بعدما سلب ريال مدريد كبير الشياطين من قلب مانشستر.
ملعب سنتياجو برنابيو يمتلأ عن أخره لاستقبال صفقة القرن، 80 ألف مشجع على الأقل يتزاحمون للاستمتاع برؤية أفضل لاعب في العالم وحامل الكرة الذهبية في نسختها الأخيرة، في حفل على شرف الأسطورة البرتغالي إيزيبيو وكبير مدريد، ألفريدو دي ستيفانو، بجانب الرئيس الجديد، فلورنتينو بيريز.
أيام قليلة وبدأت قصة البرتغالي مع فريق يُبنى من جديد، بعد صفعات دامت 6 سنوات، بخروج مهين من ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، لذا بات بطل مانشستر السابق هو الأمل الأخير لانتشال الفريق من القاع وإعادته إلى قمة القارة العجوز.
لم تكن البداية مثالية ولا كما راودت أحلام رونالدو، عامان من الخيبة، صفعات في الكلاسيكو على يد برشلونة، الذي تجاهله كريستيانو بكافة عروضه المغرية، فقط لتحقيق حلمه بارتداء القميص الأبيض.
ربما لام رونالدو نفسه على تجاهل البرسا، المتوج بلقب دوري الأبطال قبل أيام من انتقاله إلى مدريد، أو شعر بالندم على ترك المدينة التي نصبته ملكاً لها، لكن بدا حلم البرتغالي أكبر من أي ندم، لم يثنه عن مواصلة الإبحار بخيالاته في سماء مدريد.
انقشعت الخيبات المتتالية، التي رافقت رحلة رونالدو في بدايتها، فالبرتغالي فعل كل شيء دون نتيجة، أهداف غزيرة لم تنجح في مساعدة فريقه على الخروج من ظُلمة الإخفاقات أمام جيل برشلونة الذهبي.
ولأن نور الفجر يُولد دائماً من رحِم الظلام، جنى رونالدو صبر سنوات، لقب تلو آخر، إنجاز بصعوبة يتبعه مجد، حتى هيمن ريال مدريد على عرش أوروبا من جديد بفضل كريستيانو ورفاقه، في حقبة انتزع خلالها البرتغالي لقب الهداف التاريخي للنادي الملكي.
رقم قياسي احتاج راؤول 15 عاماً لقنصه من دي ستيفانو، لكن رونالدو لم ينتظر سوى 6 سنوات، لأن المستحيل هنا ليس برتغالياً، ليُنصب نفسه ملكاً جديداً للعاصمة الإسبانية، مسطراً واحدة من أعظم الحقب التاريخية للنادي الملكي.
والآن وبعدما شارف عمره على الـ33، تحول اللاعب الشاب، الذي جاء شاباً يافعاً قبل 9 سنوات، إلى عجوز في عُرف كرة القدم، ليبدأ كما جرت العادة في مدريد، مسلسل النيل من الأساطير.
بعدما التهموا ثمار شجرة رونالدو التي أغدقت عليهم بالخيرات، آن أوان هجرها بل وقذفها بالحجارة لأنها لم تعد تُثمر كسنوات سابقة، فبدلاً من الإقرار بخيرها، بات نُكران فضلها سهلاً على من نعموا بسببها في بحر ذهب الألقاب والأمجاد واللحظات التاريخية، التي أغمرتهم في سعادة بالغة لسنوات طوال، ليدرك الأسطورة في النهاية أن نهاية حلمه طعنة في الظهر، لم يتخيلها يوم الصدام الأول في مانشستر من أجل مدريد.